Al Jumhuriya: «الجمهورية» واكبت عملية ناجحة لزرع كلية بين شقيقتين

Tuesday, November 8, 2016

تيري رومانوس

حين علمت ميريللا عقيقي شقير، 30 عاماً، أم لولدين، أنّ كليتها متطابقة مع كلية شقيقتها سيتريدا 20 ربيعاً، لم تتردّد لحظة واحدة وأعلنت لجميع أفراد الأسرة انها مستعدة للخضوع لجراحة تهب من خلالها إحدى كليتيها لشقيقتها الصغرى بسعادة واقتناع كلي.

حاول الوالد بيار ثني ميريللا عن وهب كليتها لشقيقتها سيتريدا، واضعاً نفسه وكليتيه تحت تصرّف الأطباء، ألّا انّ ميريللا كانت مصمِّمة وما من شيء قادر على زعزعة قناعتها الداخلية وتصميمها على المضي في قرارها.
أما بالنسبة لزوج ميريللا، فلقد أقنعته بحجة قوية قائلة له: «لو اضطررتَ لوهب كليتَك لتُنقذ حياة شقيقك او شقيقتك، هل كنتَ لتتردَّد؟» طبعاً أجابها بأنه فخور بها ولن يقف في وجه قرارها البطولي متمنياً لها الصحة والتعافي السريع قاطعاً على نفسه وعداً بدعمها ومساندة جميع أفراد أسرة ميريللا التي يعتبرها كأسرته تماماً.
دخلت ميريللا يومَ الأربعاء الى مستشفى أوتيل ديو دي فرانس، الأشرفية، وخضعت يومَ الخميس لجراحة المنظار استُئصلت خلالها إحدى كليتيها، وخرجت من المستشفى في أفضل حال يوم السبت. لم يتوقف عطاء ميريللا عند هذا الحدّ، فأثناء مكوثها في المستشفى، كان الى جابنها في السرير الآخر، مريضة أُدرِج اسمها على لائحة المنتظرين لزراعة كلية.
وكانت تلك المريضة تتألم بشدَّة، فما كان من ميريللا إلّا أن أقنعت شقيقة المريضة بالتبرُّع بكليتها لوضع حدّ لأوجاع شقيقتها المبرحة مؤكدة لها أنّ جراحة المنظار التي خضعت لها، كانت سهلة ولم تسبِّب لها أيّ مشكلات وأن لا شيء قد تغيّر في وظائف جسمها، ويكفيها انه كُتِب لشقيقتها عمر جديد وانها ستحيا بشكل طبيعي بعد العذابات المريرة التي قاستها هي وأفراد الأسرة الذين لم يذوقوا طعم الراحة طوال فترة معاناتها. وفي الحال اتّصلت الشقيقة بالدكتور لتقول له إنها مستعدة لإجراء الفحوصات اللازمة لتهب شقيقتها كليتها على غرار ميريللا.
ممنوع الدخول
بعد الإجراءات اللازمة والحصول على موافقة الدكتور إيلي رزق الله، المدير الطبي في مستشفى أوتيل ديو، دخلت «الجمهورية» قسم المسالك البولية حيث استُقبلت بلطف وترحيب خصوصاً عندما علم الجميع انّ الهدف هو الإضاءة على موضوع طبي إنساني يهم جميع أفراد المجتمع، وليس لتحقيق سبق صحافي، بل لإعطاء الأمل وتشجيع الأشخاص الأصحاء على معاونة المرضى والمساهمة في شفائهم ولا سيما في مجال التبرّع بكلية تعيد الأمل والصحة للمتلقي ولكي يتنبّه الأهل لصحة ابنائهم وتدارك الأمور قبل استفحالها مثلما جرى مع سيتريدا فلو اكتشف الأطباء الخلل في سن مبكرة، لما احتاجت سيتريدا لزرع كلية اليوم.
على باب غرفة سيتريدا بيار عقيقي، عُلقت عبارة «ممنوع الدخول» حماية لها وللحؤول دون نقل الميكروبات إليها لذا وُزعت علينا الكمَّامات قبل دخول الغرفة.
مَن يرى وجه سيتريدا وجمالها المشرق، والإبتسامة الهادئة التي تنير ملامحها، يرتاح لأنّ سيتريدا بدأت تتعافى أخيراً، بفضل عطاء شقيقتها الذي لا يُقدَّر بثمن ومهارة الأطباء الذين وضعوها على سكَّة الشفاء الصحيحة والأيادي البيضاء التي ساهمت في تمويل رحلة الشفاء الطويلة. حتى إنها حين تلقت اتصالاً من خالها يطمئن عليها، قالت له ضاحكة حين شعرت بقَلقِه عليها: «يا خالو ما بقى تخاف عليّ، انا منيحة ومتل الحصان».
مخاطر إتساع المجاري البولية
كيف بدأت معاناة سيتريدا؟ أجابت والدتها بيرنا كريكوريان عقيقي: «كانت سيتريدا تعاني باستمرار منذ صغرها، ارتفاع الحرارة، فيعزو الأطباء السبب لإلتهاب اللوزتين او «بنات دينيها» او أيّ سبب آخر. الى أن غدت في الثالثة عشرة من عمرها حين دخلت حمام المدرسة ونزفت دماً مع البول مصحوباً بآلام غير عادية.
فاصطحبها مدير المدرسة الى المنزل والدماء تسيل منها بلا توقف. فهرولنا بها فوراً الى الطبيب الذي رجَّح أسباب النزيف الى اضطراب دورتها الشهرية او لربما «فلتان» عرق.

ولم نعلّق كثيراً على الأمر لأنّ النزيف توقف ونسينا المشكلة مع الوقت خصوصاً انّ سيتريدا لم تكن تشعر بأيّ ألم في مستوى الكليتين. بَيد أنها مثل العادة، بقيت تعاني من ارتفاع الحرارة وضآلة الحجم مقارنة مع اترابها.
فعرضناها على الطبيب لمعرفة سبب عدم نموّها الكافي. فأشار الطبيب علينا بإجراء فحوصات عامة وإذا تبيّن انّ كلّ شيء على خير ما يرام ولا سيما الكليتين، يصف لها «حقن النموّ». وعلى ضوء النتائج، جزم الطبيب انّ هناك مشكلة في الكليتين.
فاستهجن والدها السيد بيار، الفكرة وأبت عاطفته الأبوية الإقرار بأنّ فلذة كبده قد تعاني من خلل في الكلى وما الضير اذا كانت قصيرة القامة منذ متى القامة المديدة هي دليل الصحة والعافية؟ هذا من وجهة نظر الوالد... ولكن مع الأسف، أظهرت الفحوصات انّ إحدى الكليتين ضعيفة فيما الأخرى متوقفة عن العمل.
وأرانا الدكتور بالفيديو، انّ الخلل ناجم عن اتساع كبير في المجاري البولية ما يجعل البول يصعد «طلوعاً» كموجة البحر فتقذفه المجاري لشدَّة اتساعها في اتجاه الكليتين مع كلّ ما يحمله من رواسب وميكروبات وحتى «فتافيت» الكلينكس فتتجمّع على الكليتين و«تهريهما» ما يكبح نموّ سيتريدا وذلك منذ نعومة أظفارها...
وعن السؤال: «ألم تلاحظ سيتريدا أن بَولَها شحيح؟» أجابت: «كان البول يسقط قطرة قطرة وكنت أظن انّ جميع البشر مثلي ولم أعتبره مرضياً». أما والدتها فقالت: «كنتُ حين أبدل حفاضاتها وهي طفلة صغيرة، ألاحظ انها مبلّلة وعادية... أنّى لي أن أعرف مدى الكمية التي يجب أن تطرحها!».
والجدير ذكره أنّ سيتريدا لم تكن تشعر بالألم بل إنّ الأعراض التي كانت تنتابها من وقتٍ لآخر، ارتفاع الحرارة والتعب. ومنذ تلك اللحظة بدأت جُلجلة الآلام والعذابات. وبهدف إنقاذ الكليتين، وُصِفت لها الأدوية وخضعت لجراحة تضييق المجاري.
صحيح انّ البول لم يعد يصعد في اتجاه الكليتين ولكن كان الآوان قد فات والأذى لحق بهما ويجب زراعة كلية لإنقاذ حياة سيتريدا. غير أنه لا يمكن زرع كلية إلّا بعد تنظيف الكليتين من رواسبهما المتراكمة لكي لا تتأذى الكلية المزروعة من الرواسب.

والى حين زراعة الكلية تعذبت سيتريدا كثيراً جراء الإلتهابات وتكوّن أكياس الدم وارتفاع الحرارة، فتركض العائلة «طيراناً» الى المستشفى لإزالة «كيس الدم» بالجراحة والتخدير والمكوث في المستشفى. باختصار تطلَّب تنظيف الكليتين سنوات من المتابعة الطبية والعلاجات المضنية المصحوبة بآلام لا تُحتمل خصوصاً جراء أكياس الدم التي كانت تستوجب إزالتها فوراً بالجراحة...
لم تخضع سيتريدا لغسيل الكلى لأنّ كليتها، من جهة، كانت تعمل بنسبة 8 في المئة، ومن جهة أخرى، رفضت الغسيل لأنها اطمأنّت الى أنّ شقيقتها ميريللا ستتبرّع لها بكليتها وأنها متطابقة مع كليتها.
اليوم الموعود
دخلت ميريللا غرفة العمليات في الساعة السابعة صباحاً أما سيتريدا ففي تمام الساعة الثامنة والنصف. وخرجتا بعد ساعات والأمل يملأ قلبيهما فلقد ارتاحت ميريللا نفسياً وأُزيح عبء كبير عن صدرها لأنها أنقذت شقيقتها التي ستحيا حياة طبيعية وتعمّ الفرحة جميع أفراد الأسرة.
وعن الدكتور مارون مكرزل رئيس قسم جراحة المسالك البولية في مستشفى أوتيل ديو الذي زرع الكلية لسيتريدا، قالت الوالدة: «يتميّز بإنسانيته، ووجوده الى جانبنا أثلج قلوبنا فهو «رايق» واثق من نفسه -كتر خير الله- بفضله كنا مرتاحين ومطمئنّين وقبل دخوله غرفة العمليات شجَّعنا ونفخ الأمل واليقين في نفوسنا قائلاً: «سترَون انّ كلّ شيء سيكون على خير ما يرام».
وعندما سألنا سيتريدا أن تقول كلمة أخيرة لمن تعاني من المشكلة عينها أجابت: أكيد أهمّ شيء عدم الخوف وأن تسلِّم نفسها للربّ لأنه قادرٌ على كلّ شيء.
اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء
في اتصال هاتفي مع الزميلة ماغي عون المسؤولة الإعلامية في اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء، قالت إنها تحبّذ التعاون للتوعية حول ثقافة وهب الأعضاء التي تعتبرها ثقافة حياة، لأنّ مسؤوليتنا كإعلاميين كبيرة في إرشاد الناس وتوجيهم ايجاباً في شأن أهمية وهب الأعضاء ومنح الآخرين عمراً جديداً.
للاتصال باللجنة الوطنية لوهب الأعضاء: Www.nodlb.org
Tel : 05 955902/ 903