لم تعد ميريللا (30 عاماً) والأم لطفلين، قادرة على تحمُّل رؤية شقيقتها الصغرى رولا (19 عاماً) تذوي أمام ناظريها، بعدما أنهك غسيل الكلى جسدها، ونغّص حياتها وأطاح هَناء جميع أفراد الأسرة. فقررت أن تهبها إحدى كليتيها. وحين حاول زوج ميريللا ثَنيها خوفاً على صحة شريكة عمره، قالت له بحزم: «ماذا لو كان شقيقك هو الذي يتألم ويحتاج الى كلية لكي يحيا حياة طبيعية، هل كنت لتبخل عليه بها؟». حالياً، تحيا الشقيقتان بسعادة وهناء في كنف العائلة، وكلاهما مَوفورتي الصحة والعافية.
تُجمع غالبية أفراد المجتمع مهما كانت الأديان التي يؤمنون بها، على ضرورة وَهب الأعضاء طالما أنها لا تشكّل ضرراً على حياة الواهب او على صحة المريض، بل تنقذ الكثيرين وتنتشلهم من هوة اليأس والعذاب لتزرع في قلوبهم مجدّداً الأمل بالعَيش الهانئ. ولا شك في أنّه من خلال عملية وهب الأعضاء وزرعها، لا يتمّ إنقاذ المريض وحسب، بل تُنقذ الأسرة بكاملها.
ومن هذا المنطلق، نظّمت اللجنة الوطنية لوَهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية (NOD-Lb) لقاء المذاهب الدينية اللبنانية، لدعم برنامج وهب وزرع الأعضاء بعد الوفاة، في فندق هيلتون ميتروبوليتان في سن الفيل، برعاية وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور وحضوره.
شارك في هذا اللقاء ممثلو المراجع الدينية في لبنان وأعضاء مجلس العلماء المسلمين وحشد من رجال الدين ومسؤولي اللجنة الوطنية والفنانين برناديت حديب وندى بو فرحات وشربل زيادة الذين ساهموا في إعداد إعلان تلفزيوني عن أهمية وهب الأعضاء.
وقد قام كل من الوزير ابو فاعور وممثلي المذاهب كافة بالتوقيع على بطاقات التبرّع كي يكونوا قدوة في مجال التبرّع بالأعضاء.
قدّمت الإعلامية ماغي عون هذا اللقاء مشدِّدة على أهميته.
ثم دعت المنسِّقة الوطنية للهيئة الوطنية لوهب الأعضاء السيدة فريدة يونان إلى تعميم الرأي الرسمي للمرجع الديني، وإدخال ثقافة وهب الأعضاء في المدارس وجامعات الفقه واللاهوت.
وبإسم الفنانين، تعهدت بو فرحات الاستمرار في التشجيع على وهب الأعضاء من خلال الأعمال الفنية.
ثم تحدث فضيلة القاضي المستشار الأول للمحكمة الشرعية الدكتور الشيخ يحيى الرافعي، مؤكداً أنه أوصى عائلته وزملاءه بالتبرع بأعضائه.
أبو فاعور
بعد ذلك، ألقى ابو فاعور كلمته قائلاً: شاءت الأقدار أن أكون في وزارة الصحة وأرى الكمّ الهائل من معاناة الأشخاص الذين يحتاجون إلى اعضاء، وعندما لا يتوافر حلّ من العائلة يكون الخيار انتظار الموت أو البحث عن واهب مقابل بدل مالي، أي تجارة الأعضاء. وشدد على ضرورة التوعية حول ثقافة وهب الأعضاء، خصوصاً انّ الموقف الديني لا يمنع هذا الأمر لا بل يحفّزه.
أضاف أنه من ناحية الاختبار الشخصي، ليس بسيطاً على الإنسان أن يوقّع على بطاقة وهب أعضائه، ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو أنّ هذا القرار يجعل من الموت حياة. وشكر منظّمي اللقاء مكرراً التشديد على ضرورة العمل على تنمية الثقافة العامة حيال وهب الأعضاء.
كلمات ممثلي الأديان
بعد ذلك، ألقى ممثّل العلّامة السيد علي فضل الله الشيخ زهير قوصان كلمة ذكّر فيها بفتوى سماحة العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حول وهب الأعضاء، وأبرز ما جاء فيها أنه «يجوز للمريض أن يستعين بأي عضو من أعضاء الكائنات الأخرى من أجل معالجة مرضه».
وجاء في كلمة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، والتي ألقاها عنه القاضي الشيخ غندي مكارم، أنّ الموقف الشرعي المعتمد في موضوع وهب الأعضاء لدى مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز هو ترك الحرية للمرء وفقاً لإرادته ومشيئته واختياره، على أن يكون الواهب بالغاً وصحيح العقل وموافقاً على الوهب من دون ضغط أو إكراه.
ثم تحدّث ممثل نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى قاضي الشرع سعد الله الحرشي، فقال إنه من الجائز وهب عضو من الأعضاء لإنقاذ نفس أو منع هلاكها أو رفع الضرر البالغ عنها.
بدوره، أوضح ممثل متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس، الأب جورج ديماسي، موقف الكنيسة الأرثوذكسية من وهب الأعضاء، فاعتبر أنّ هذا الوَهب يمثّل شكلاً مميزاً من الشهادة للمحبة، والكنيسة تشجّع ممارسته لأنه يعالج، لا بل ينقذ، حياة كثيرين.
بعد ذلك، تحدث ممثل مفتي الجمهورية الشيخ بلال الملا، فقال إنّ مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة في مكة المكرمة، أعلن أنّ «أخذ عضو من جسم إنسان حيّ وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية، هو عمل جائز لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه».