Annahar: اعضاء

الثلاثاء, يونيو 1, 2010

أعلن الإعلامي طوني خليفة عن فقرة جديدة ضمن برنامجه التلفزيوني الأسبوعي "للنشر" وأخذتنا الكاميرا الى مكبّ للنفايات حيث سمعنا صوت المذيعة يقول:
"طفلة عمرها تسع سنين لقيوها مزتوتة هون قدّام براميل الزبالة منزوعة الكليتين وميتة طبعا".
كأن صاعقة كهربائية ضربت كياني، شعرت بأنني أتابع وثائقيا عن دولة اخرى في كرة أرضية أخرى لا تمتّ الينا بصلة. لكن لا. المأساة وقعت هنا، في بيروت، بالقرب من منازلنا وعلى أرصفة شوارعنا وأمام أعيننا... ولا مين شاف ولا مين دري.
واستمر الريبورتاج في سرد الوقائع المخيفة وزارت الكاميرا بيت شاب تعرّض للتخدير ولنزع كليته من دون موافقته. انها تجارة الأعضاء البشرية، هكذا قالوا لنا. نعم تجارة الأعضاء البشرية التي تحترفها عصابات مخيفة. عصابات تضمّ تحت أجنحتها أطباء ومستشفيات وممرضون وممرضات والكثير من التجار "الأوادم" الذين يقومون بالإتصالات الأولية ويخططون ويغدرون ويقتلون ويسلبون ويتمخترون بعد كل جريمة بسياراتهم الفخمة في شوارع العاصمة بيروت مفتخرين بأنفسهم وبإنجازاتهم من دون حسيب ولا رقيب.
في مكان يشبه المنزل، حيث اختفت الجدران واستعاض عنها أهل المكان ببعض الألواح الخشبية والبلاستيكية جلس الشاب النحيل البنية يخبر قصة محزنة حصلت معه فأفقدته كليته في مقابل أربعة آلاف دولار أميركي فقط لا غير.
تفاوض السماسرة مع ذلك الشاب فقبل المسكين ووقّع على الأوراق على انه سيهب الكلية الى رجل يحبه ويحترمه. قبل الشاب نعم لأن البؤس لم يترك له فرصة للرفض.
قبل الشاب وما لبث ان رفض عند اقتراب الإستحقاق، لكن الحبوب المنومة كانت أسرع من رفضه ففتح الشاب عينيه بعد يومين ليجد جسده مستباحا ضعيفا مسلوب الكلية والإرادة، واقفا امام مرآته قارئا على جبينه: "فقير وعم بتطالب بحقوقك؟ وقح".
الى الستوديو حضر الشاب وجلس أمام الإعلامي طوني خليفة وجلست قربه السيدة المسؤولة عن جمعية وهب الأعضاء البشرية، وكان معالي وزير الصحة يطل على الجميع من الشاشة العملاقة. عرض طوني القضية مشكورا، فروى الصبي بعض الكلمات بصوته الضعيف المفتقد القوة والثقة بالنفس، المفتقد كل الحقوق البشرية، المفتقد الأمل بالوصول الى نتيجة ترضيه وتعيد قسما من كرامته اليه.
 

تحدث الشاب فانتقل الحديث الى الوزير الذي قال: "مش مشكلة... منعمل تحقيق بالقصة ومنرد عليكن خبر".
لا يا أساتذة، لا يا معالي الوزير، لا يا مسؤولين: القصة ما بدها فتح تحقيق، القصة بدها حالة طوارئ كبيرة تنقذ فقراء بلادي من بعض الأطباء الجزارين المتورطين في هذه الجرائم المخيفة. القصة بدها حالة طوارئ كبيرة لملاحقة المجرم الذي قتل الصغيرة بعدما انتزع كليتيها. القصة بدها شنق واعدام. القصة بدها عملية انقاذ سريعة لهؤلاء الفقراء الذين يقعون يوميا ضحية سرب من الغربان يحطّون على سطوح بيوتهم الفقيرة العارية ويسحبونهم من بين الأنقاض ليرموهم بعد انتزاع أعضائهم وقتلهم في براميل الزبالة.
القصة كبيرة يا جماعة، كبيرة كتير. القصة تحتاج الى فتح ملفات كبيرة. القصة تحتاج الى شجاعة استثنائية تجعل الدولة تلاحق المتورطين وتلقي القبض عليهم وتزيل الحصانة عن هؤلاء الأطباء الجزارين الذين يتسترون تحت حصانة لا تليق بأمثالهم.
فلنقفل المستشفيات المتورطة بمثل هذه الجرائم بالشمع الأحمر من دون خوف ولا محسوبيات، ولنعرّ الأطباء المتورطين من شهاداتهم وتحصيناتهم، ولنحم هؤلاء الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة.
تحركي يا دولتي العزيزة فالفقراء لا يملكون شيئا سوى حماية دولتهم لهم. حرام والله حرام.

كلوديا مرشليان