Assafir: الإسلام والمسيحيّة يوحّدان نداءهما: هبوا أعضاءكم!

Friday, October 23, 2009

لأن وهب الأعضاء مسألة إنسانيّة دقيقة تتداخل فيها اعتبارات متشعّبة، ولأن جميع القضايا الحساسة في لبنان تحتاج إلى «مباركة» دينيّة تختلف باختلاف إيمان أو انتماء مواطن إلى طائفة ما أو مذهب معيّن، كان لا بدّ من التوقّف عند رأيين دينيين أكاديميّين يختصران توجّه الطوائف المسيحيّة كما الإسلاميّة في هذا الخصوص.
في الوهب معاني الرحمة «الدين المسلم يحرّم وهب الأعضاء»، بحسب ما يتداوله البعض. لكن القاضي الشيخ محمد نقّري، وهو أستاذ في جامعة القديس يوسف - كليّة الحقوق، يشير إلى أن هذه «أفكار خاطئة لآراء بعض من الفقهاء». ويشرح أن «معارضة فكرة وهب الأعضاء ما هي إلا رأي ضعيف يقابله رأي راجح توافق عليه جميع المذاهب الفقهيّة، لا بل تشجّع الإنسان، على التبرّع بأعضائه في حال الموت. وفي الحياة، التبرّع بالأعضاء التي لا تشكّل خطراً على المتبرِّع». لكنه يلفت إلى أن الفقهاء اتّفقوا على «عدم جواز نقل الخصيتين ولا المبيض لأنها تنقل الصفات الوراثية». من جهة أخرى، يشدّد نقّري على «عدم جواز تلقّي أي بدل مادي نظير عمليّة الوهب، حتى ولو كان إكراميّة للمتبرّع».
ويعيد نقّري جواز وهب الأعضاء إلى «قواعد المفاضلة في الشريعة الإسلاميّة والتي تجيز ارتكاب أخفّ الضررين دفعاً لأعظمهما». فيشرح أنه «إذا ما كانت لدينا مصلحة إنقاذ المريض وأمامنا ضرر تشريح الجثّة وأخذ عضو منها، تتجاوز المنفعة حدود الأضرار اللاحقة فتتقرّر مصلحة إنقاذ المريض».
ثم تأتي «قاعدة شرعيّة ثانية تنصّ على أن الضرورات تبيح المحذورات. فترفع الحرمة عن الإنسان إذا ما وجد الشخص نفسه في حالة يخشى فيها حصول ضرر على نفسه بحيث يكون ضرراً حقيقياً. فيلتجئ إلى المنهي عنه والمحظور من أجل دفع الضرر المتأتّي جرّاءه، إذا كان قد أشرف على الهلاك».
من جهة أخرى، كانت «رابطة العمل الإسلامي» قد وافقت على أخذ عضو من جسم إنسان حي ليزرع في جسم حي. ويشرح نقّري أن هذا «هو مشروع حميد إذا ما توفّرت الشروط» المذكورة أعلاه.
بالنسبة إلى نقّري، فإن «الآيات القرآنيّة تدعو إلى الخير وكذلك أحاديث نبويّة حثّت على مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان، بحيث ينفّس كربه وهمّه. فالذي يحيي نفساً واحدة، يحيي الناس جميعاً. وعندما يفيد أحدنا إنساناً واحداً كأنما أمّن الإفادة للإنسانيّة جمعاء». ففي هذه، بحسب نقّري «معاني الرحمة التي تنادي بها الشريعة الإسلاميّة والأديان السماويّة جمعاء». لكنه يلفت إلى أن الناس عادة «لا يقاربون هذا الموضوع لأن فيه «موتاً»... وتبقى الحاجة إلى التوعية»... وهو فضيلة دينيّة فائقة حتى لو لم تُنشر تعاليم صارمة حول تحريم الدين المسيحي وهب الأعضاء، إلا أن كثيرين يعتبرون أن أجسامنا ليست ملكاً لنا وبالتالي علينا أن نعود بها إلى التراب كما خلقنا بها.
لكن الأب الدكتور لويس الخــوند، وهو أســتاذ محــاضر في جامعة الروح القدس - الكسليك، لا يوافق على ما أتى معتبراً أنه في حالة الموت، «الإنسان الروح ذهب مع الرب في حين أن التراب رجع إلى التراب». ويوضح أن «الديانة المسيحيّة تستند إلى العقل والإيمان».
فيشرح أن «في العقل: كل الناس أخوة. وصحــّة الإنسان هي القيمة الأولى لأن الإنسان هو القيــمة المطلــقة. أما في الإيمــان: فالله خلق الإنسان لذاته. والله بذاته في خدمة الإنسان. لذا، نستنتج هنا أن الإنسان هو القيمة المطلقة، وبالنتيجة، فإن الحياة البشريّة هي كذلك. الإنسان عليه حقّ ولديه واجب للحفاظ على صحّته، خصوصاً من لديه حاجة ما». يضيف: «الأصحاء ملزمون بالسقماء من بـاب الأخوّة الآدميّة والبنوّة الإلهيّة».
ويستعيد قول للقديس إيليوناوس «مجد الله هو الإنسان الحيّ. الله يتمجّد بصحّة الإنسان، خصوصاً أننا جميعنا أعضاء بعضنا البعض وكل واحد أعضاء لآخرين». ويشدّد على أن «الوهب فضيلة إنسانيّة دينيّة مسيحيّة مميّزة فائقة».
ويشير الخوند إلى أن «القضيّة الطــبيّة هي التي تحــكم من ناحيــة نقل الأعضاء. والكنيسة تترك الأمر للطبّ من الناحية العــلميّة». لكنها تتّفق مع الطب على أن موت الإنسان المحتّم هو الموت الدماغي. وبالتالي، هو لن يكون موجــوداً في جــسمه البــيولوجي: «لذا، نتمنّى أن يوصي بأعضائه للمحتاجين إليها». يضيف: «هي كليتان، قلب، رئتان، كبد، قرنيّتان، وغيرها... كل ما لم يتمكّن من وهبه في حياته يعطيه في مماته وبتفوّق».
الكنائس المسيحيّة جميعها توافق بحسب الخوند على عمليّة الوهب: «فلا يجوز أن ندفن كنوزاً غالية في التراب. مع التركيز على أن الكنيسة مع مجانيّة وسلامة الوهب على الرغم من قيمة الأعضاء، التي لا تقدّر. تخيّلوا أن شخصاً واحداً قادر أن يحيي ستّة أشخاص... هل هذه مزحة؟».
وفي ما يتعلّق بالنقل من إنسان حيّ، يعتبره خوند أمراً دقيقاً لا يُسمح به بسهولة: «فالحيّ أحقّ بحياته. لكن عندما تضطر أم مثلاً لوهب ابنها كلية، حينها تأتي الموافقة».
وهب الأعضاء إذاً «فضيلة إنسانيّة»، يمكّننا من خلال وصيّة أن نفعل خيراً في مماتنا أكثر من حياتنا. هذا ما يخلص إليه الخوند متسائلاً: «شو يعني يطلع عند ربّه ناقص؟ هو يذهب مع إرادته الطيبة ونيّته الحسنة... أليس هذا ما يهمّ؟».
لكن، وعلى الرغم من تلك الإيجابيّة التي اتّفقت عليها الكنيسة كما الشريعة الإسلاميّة، ما زلنا نلاحظ رجال دين يفرضون رؤيتهم الشخصيّة أو يملونها على بعض المؤمنين إلى أيّة ديانة انتموا. فاقتضت الإشارة علّ ينجح هؤلاء بتغليب آراء طوائفهم ومذاهبهم الإنسانيّة على آرائهم الخاصة التي تساهم في حرمان كثيرين من فرصة حياة جديدة.